کد مطلب:239641 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:93

نحن .. و ما یقوله هؤلاء
ان كل ما ذكره هؤلاء لا یمكن أن یمنع المأمون من التدبیر فی الامام بما یحسم عنه مواد بلائه .. كما دبر من قبل بوزیره الفضل بن سهل، الذی أراد أن یزوجه ابنته، و كما دبر فی قائده الكبیر هرثمة بن أعین، الذی قتله فور وصوله الی مرو، دون أن یستمع لشكواه، أو یصغی الی دفاعه عن نفسه [1] ، و كما دبر فیما بعد بطاهر و أبنائه [2] و غیرهم،



[ صفحه 417]



و غیرهم، ممن كان یختلهم واحدا فواحدا - علی حد تعبیر عبدالله بن موسی فی رسالته له - سواء من العلویین أو من غیرهم ..

مع أن هؤلاء كانوا وزراءه و قواده، و لهم من الفضل علیه، و علی دولته ما لا یمكن أن یخفی علی أحد، فانهم هم الذین وطدوا له دعائم حكمه، و بسطوا نفوذه و سلطانه علی البلاد، و أذلوا له العباد، و قامت دولته بأسیافهم، و علی أكتافهم ..

لقد ختلهم واحدا فواحدا .. مع أنه كان یظهر لهم من الحب و التقدیر ما لا یقل عما كان یظهره للامام .. و حسبنا أن نذكر هنا : أنه قتل أخاه و عمل برأسه ما تقدمت الاشارة الیه من أجل الملك و السلطان فكیف لا یقتل الرضا من أجل الملك و السلطان، أیضا .. ثم یتستر علی فعلته بتلك الظواهر التی لا تضره ؟! أم یعقل أن یكون الرضا أعز من هؤلاء جمیعا .. و حتی أعز علیه من أخیه الذی قتله ؟! ..

و أما تظاهره بالحزن و الاسی لوفاة الامام (ع) الخ .. فما أدری ان كان هؤلاء یریدون من ذلك الأفعی الداهیة : أن یظهر الفرح و الاستبشار بموت الامام (ع) !! .

و هل نسوا أنه قتل الفضل ثم تظاهر بالحزن العظیم علیه [3] و تتبع قتلته



[ صفحه 418]



و قتلهم . و أرسل رؤوسهم الی أخیه الحسن بن سهل، ثم تزوج ابنة الحسن هذا ؟! . و لكنه عاد فغض من الحسن بن سهل حینما ظفر بابراهیم ابن شكلة، و أسقطه و حجیه و عزله عما كان فی یده [4] .

و قتل طاهرا ثم أرسل یحیی بن اكثم الی الرقة، لینوب عنه فی تقدیم التعازی ، لولده عبدالله، ثم ولی أبناءه مكانه، ثم غدر بهم واحدا بعد الآخر .. ؟! [5] .

و قتل محمد بن جعفر، ثم جاء و حمل نعشه، و قال : ان هذه رحم مجفوة منذ مأتی سنة ؟!..

و غیرهم و غیرهم، ممن لا مجال هنا لتتبع أسمائهم و أحوالهم .. أما مواقفه و تصریحاته عند وفاة الامام، فالظاهر أنهم لم یقیموا لها وزنا، و لا أعارها أی منهم أذنا صاغیة، أو قلبا واعیا ؟! ..

و كیف یتفق كل ما ذكرناه - و خصوصا ما فعله مع أخیه حیا، أو میتا، و تخریبه بغداد، و أیضا قتله لسبعة من أخوة الامام و اضطهاده للعلویین كما سنبینه، و كتابه للسری عامله علی مصر یأمره فیه بغسل المنابر الخ .. كیف یتفق كل ذلك، و سائر أفاعیله التی قدمنا شطرا منها مع خلق المأمون و نفسیته ؟! .. و لا یتفق قتله الامام (ع) مع نفسیته و خلقه الكریم ؟! . و هل قتل أولئك مع اظهار المحبة و الاكرام لهم



[ صفحه 419]



لا یتنافی مع نفسیته و خلقه الكریم؛ و یتنافی قتل الامام مع الاكرام و المحبة له و للعلویین مع نفسیته و خلقه الكریم أیضا ؟! ..

و أیضا هل بعد كل ذلك، یمكن أن یقال : ان مصاهرته للامام تمنعه من الغدر به ، و دس السم الیه ؟! و لقد بینا فی فصل : ظروف البیعة بعض أهدافه من تزویجه ، و تزویج ولده الجواد، و تزویج الفضل أیضا .. و تحدثنا أیضا عن السبب فی لباسه الخضرة، و دوافع ولایة العهد، و غیر ذلك من أمور .

بل نجرؤ علی القول هنا : ان المأمون قد اكره الامام (ع) علی هكذا زواج ؛ اذ كیف یمكن أن نتصور رجلا حكیما عاقلا، زاهدا فی الدنیا .. یقدم و یرغب فی زواج طفلة و من هی بالنسبة الیه بمنزلة حفیدته، بل أصغر ؛ حیث كان یكبرها بحوالی أربعین سنة .. ثم لا یكون هناك سر آخر یمكن وراء مثل هكذا زواج ؟!، الا أن یدعی هؤلاء : أن ذلك یتفق مع العقل و الحكمة، و ینسجم مع زهد الامام فی الدنیا، و انصرافه عنها ..

و اذا كان ثمة سر آخر یمكن وراء ذلك الزواج، فان ما تجدر الاشارة الیه هنا هو أنه (ع) لم یكن یستطیع التصریح بحقیقة الأمر، و واقع القضیة الی آخر ما قدمناه فی فصل، ظروف البیعة .

و أما قوله بتفضیل علی (ع) علی جمیع الخلق .. فاننا ان لم نقل : أنه كان من ضمن المخطط، الذی كان قد رسمه للوصول الی مآربه و أهدافه - كما اتضح فی فصل ظروف البیعة .. فاننا - و نحن نری تباین مواقفه و تصریحاته - نری أنفسنا مضطرین الی القول : بأنه لم یكن ینطلق فی مواقفه السیاسیة من مواقف عقائدیة ..

و أما اكرامه للعلویین .. فقد تقدم تصریحه فی كتابه للعباسیین : بأن ذلك ما كان منه الا سیاسة و دهاء .. و تقدم أنه بعد وفاة الرضا (ع)



[ صفحه 420]



قد أخذهم بلبس السواد، و منعهم من الدخول علیه .. و أنه كان یختلهم واحدا فواحدا حسب ما كتب الیه عبدالله بن موسی .

و سیأتی بیان أنه قتل سبعة من اخوة الامام (ع) .. و أنه أمر الولاة و الحكام بالقبض علی كل علوی ..

و أما ما ذكره أحمد أمین : من كثرة خروج العلویین علیه ..

فاننا لم نجد، و لم نسمع ذكرا فی التاریخ لثورة قامت ضد المأمون، بعد وفاة الرضا (ع) الا ثورة عبدالرحمن بن أحمد فی الیمین، و التی كانت باتفاق المؤرخین بسبب جور العمال، و ظلمهم .. و سوی ثورة اخوة الامام الرضا (ع) طلبا بثأر أخیهم كما سیأتی ..

و لم یبق ثمة الا نسبة فكرة اغتیال الرضا (ع) الی الشیعة .. و أنهم انما اختلقوها و ابتدعوها بدافع من الشعور بالحاجة الی مثل هذه التزویرات ؛ اذ قد كتب الخ ..

فهی دعوی تكذبها جمیع الشواهد و الدلائل التاریخیة .. هذا بالاضافة الی أن السنة قد اتهموا المأمون بهذه التهمة، قبل اتهام الشیعة له بها، و الشیعة انما یعتمدون فی ذلك علی كتب أهل السنة، التی استفاضت فی اتهام المأمون بذلك، و التی یؤیدها الكثیر مما قدمناه فی هذا الكتاب، و غیره ..

و هكذا .. یتضح أن كل ما ذكره هؤلاء لا یصلح ما نعا و لا دلیلا علی أن المأمون لم یكن وراء استشهاد الامام (ع) .. بل جمیع الدلائل و الشواهد متضافرة علی خلاف ذلك حسبما فصلناه فی الفصلین المتقدمین و غیرهما، و لولا أن تعداد مواقف المأمون مع الامام و تصریحاته یستلزم تكرارا نربأ بالقاری ء الفطن أن یضطرنا الیه .. لا استطعنا أن نحشد الكثیر الكثیر من الدلائل و الشواهد، التی تؤكد سوء نیة المأمون، و خبث طویته تجاه الامام (ع) .. فما استند الیه هؤلاء فی حكمهم ذاك،



[ صفحه 421]



لا یصلح للاستناد الیه، و لا للاعتماد علیه، و ان صیغ بعبارات منمقة، و أسالیب مختلفة، فیها الاغراق و المبالغة أحیانا، و یبدو علیها الاتزان و الموضوعیة أحیانا أخری ..


[1] هكذا ذكر بعض المؤرخين . و قال ابن خلدون في تاريخه ج 3 ص 245 و 249 : انه حبس، ثم دس عليه المأمون من قتله .. و في معارف ابن قتيبة ص 133 طبع سنة 1300 ه . قال : « .. فلما سمع حاتم بن هرثمة ما صنع أبوه كاتب الأحرار هناك، و الملوك، و دعاهم الي الخلاف ؛ فبينما هو علي ذلك أتاه الموت ؛ فيقال : ان سبب خروج بابك كان ذلك .. » . و من يدري فلعل المأمون قد دبر بحاتم بما يحسم عنه مواد بلائه .. كما دبر في الكثيرين قبله و بعده ..

و في البداية و النهاية ج 10 ص 246 : أن أهل بغداد ثاروا، و أعلنوا العصيان بسبب قتل هرثمة . هذا .. و يقال : ان الفضل بن سهل قد عمل علي قتل هرثمة . و لا بأس بمراجعة تاريخ ابن الوردي ج 1 ص 289، و غيره.

[2] في البداية و النهاية ج 10 ص 260، و مرآة الجنان ج 2 ص 36، و وفيات الأعيان ج 1 ص 237، طبع سنة 1310 : ان سبب وفاة هو أن المأمون عندما ولاء خراسان، أهداه غلاما ليخدمه، و دفع اليه سما لا يطاق، فسمه الخادم في كامخ، فمات من ليلته . و في الفخري في الآداب السلطانية ص 224 : أن الذي أهداه الغلام هو أحمد ابن أبي خالد وزير المأمون، ليقتله اذا فارق الطاعة، فقتله بأمر من المأمون .. و في تاريخ اليعقوبي ج 3 ص 192 : أن المأمون تآمر عليه فقتله .. و المؤرخون متفقون علي أن المأمون كان يضمر له الشر و الخيانة ..

و النتيجة هي : أن طاهرا يموت - بتدبير من المأمون بهذه الكيفية الغامضة، و يبقي المأمون نفسه بعيدا عن الشكوك و الشبهات.

[3] التاريخ الاسلامي و الحضارة الاسلامية ج 3 ص 322، و مآثر الاناقة ج 1 ص 211، و قد تكلمنا عن كيفية قتل الفضل في ما تقدم فلا نعيد.

[4] لطف التدبير ص 166.

[5] و لقد كان يؤكد براءته من تلك الجرائم بأساليب مختلفة اخري، و يرضي جميع الأطراف، فهو يرضي العباسيين بقتل الرضا . و يرضي العلويين باستقدام الجواد - ولد الرضا - من المدينة، و اكرامه اياه. و يقتل الفضل، و يرضي الحسن أخاه، بما ذكرنا، و يقتل طاهرا، و يرضي أبناءه بتوليتهم مكانه، و يبقي يستعين بهم طيلة فترة حكمه تقريبا .. حيث يغدر بهم واحدا واحدا كما ذكرنا، و علي هذه فقس ما سواها مما يدل علي مدي حنكة المأمون و دهائه السياسي.